فصل: إلى أمِينٍ وعن الأَمِينِ *** يُغْنِي اشْتِرَاءُ هَبْه بَعْدِ حِينِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة ***


لحائِزِ القَبْضِ وفي المَشْهورِ *** إلى الوَصِيَّ القَبْضُ للمَحْجُورِ

‏(‏لجائز القبض‏)‏ يتعلق بقوله الحوز أي والحوز لجائز القبض وهو الرشيد شرط صحة التحبيس الخ‏.‏ ومفهومه أن المحجور عليه من صبي وسفيه لا يصح حوزه وهو مقتضى قوله‏:‏ ‏(‏وفي المشهور إلى الوصي‏)‏ يجعل ‏(‏القبض للمحجور‏)‏ ولكن سيأتي قوله‏:‏ ونافذ ما حازه الصغير الخ‏.‏ فما ذكره هنا لا حاجة إليه مع ما يأتي من نفوذ حيازته، ومقابله لإسحاق بن إبراهيم التجيبي أنه لا يصح قبض المحجور لنفسه ونحوه للباجي في وثائقه‏.‏ قال ابن رشيد‏:‏ ومحل الخلاف إذا كان له ولي وإلاَّ صحت حيازته لنفسه اتفاقاً‏.‏

ويُكْتَفَى بِصحَّةِ الإشْهَادِ *** إنْ أَعْوَزَ الحوزُ لِعَذْرٍ بَادِي

‏(‏ويكتفى بصحة الإشهاد‏)‏ على الحوز ‏(‏إن أعوز‏)‏ أي تعذر ‏(‏الحوز‏)‏ الحقيقي من التطوف بالأرض ونحوه ‏(‏لعذر باد‏)‏ قال في كتاب الهبة من المدونة‏:‏ ومن تصدق على رجل بأرض فإن كان لها وجه تحاز به من كراء تكرى أو حرث تحرث أو غلق تغلق، فإن أمكنه شيء من ذلك فلم يفعله حتى مات المعطي فلا شيء له، وإن كانت أرضاً قفاراً أي خالية مما لا تحاز بغلق ولا إكراء ولا أتى لها إبان حرث تزرع فيه أو تمنح أو يحوزها بوجه يعرف حتى مات المعطي فهي نافذة وحوز هذه الإشهاد، وإن كانت داراً حاضرة أو غائبة فلم يحزها حتى مات المعطي بطلت وإن لم يفرط لأن لها وجهاً تحاز به اه‏.‏

قال في البيان‏:‏ فرق ابن القاسم بين الدار الغائبة والأرض التي لا تمكن حيازتها فقال في الدار‏:‏ إنها باطلة إذا لم يخرج لحوزها‏.‏ وقال في الأرض‏:‏ إن مات المتصدق قبل إمكان حيازتها اكتفى بالإشهاد فيها ولم تبطل، ولا فرق بينهما في المعنى فهو اختلاف من قوله اه باختصار‏.‏ ونقله أبو الحسن وغيره مسلماً، وبمثله أجاب أعني ابن رشد لما سئل عمن تصدق على ابن له كبير بأملاك مشتملة على أرض وحديقة أعناب ودور وأرحى وأشهد بذلك وحاز الابن بعضها والباقي لم يتطوف عليه ولا خرج إليه لأنه في قطر مخوف من العدو أهلكه الله لا يأمن فيه من دخله ولا يجتاز عليه أحد إلا على غرر ومخافة شديدة، والأب المذكور لم يعتمر هذا الموضع المخوف منذ ثلاثين عاماً لهذا الغرر، ثم مات الأب قبل أن يحوز الولد هذا الموضع المخوف بتطوف الشهود عليه‏.‏ فقال‏:‏ إذا حال الخوف اكتفى بالإشهاد ولا تبطل الصدقة إذا مات قبل إمكان الوصول إليها‏.‏ هذا معنى ما في المدونة اه‏.‏ من أجوبته باختصار‏.‏

قلت‏:‏ وفتواه هذه جارية على مذهب المدونة سواء ألحقنا الدار بالأرض كما هو ظاهره أو ألحقنا الأرض بالدار، لأن قول المدونة‏:‏ وإن لم يفرط الخ‏.‏ معناه أنه كان يتهيأ للخروج أو التوكيل كما في البيان، فعدم التفريط حينئذ صادق بالتهيء للخروج والتوكيل وباليأس من الوصول إلى تلك الأملاك، والذي قال في المدونة‏:‏ أنه ليس بعذر هو الأول دون الثاني لأن التهيء والتوكيل لما حصل اليأس من الوصول إليه عبث والخروج إليه تكليف بما لا يطاق فالأول فيه نوع ما من التفريط إذ لا خوف فيه بخلاف الثاني، وبهذا كله يسقط اعتراض الشيخ الرهوني هذه الفتوى وقال تبعاً لابن رحال‏:‏ أنها مبنية على القول بأن عدم التفريط في الحوز لا يضر وهو قول أشهب، ومذهبها أنها مضرة فرط أو لم يفرط فلا تغتر بذلك الاعتراض أصلاً إذ لا يظهر له ولا للبحث مع ابن رشد وجه‏.‏ وقد تقرر من كلامهم أن البحث لا يدفع الفقه والله أعلم‏.‏ وقوله في المدونة‏:‏ أو يحوزها بوجه يعرف الخ‏.‏ يعني بالتطوف عليها كما تقدم أنه به العمل أي ولا أتى لها إبان يحوزها فيه الخ‏.‏

وَيَنْفُذُ التَّحْبِيسُ في جَمِيعِ ما *** مُحَبِّسٍ لِقَبضِهِ قَدْ تَقَدَّمَا

‏(‏وينفذ التحبيس‏)‏ ويتم ‏(‏في جميع ما‏)‏ أي حبس ‏(‏محبس‏)‏ بكسر الباء ‏(‏لقبضه قد تقدما‏)‏ بفتح الدال كان الحبس على غير معين كالمساجد ونحوها أو على معين ولو رشيداً حاضراً فإذا قدم المحبس من يحوزه للمعين أو غيره جاز وصح فيهما وإن لم يقدم وأبقاه بيده بطل فيهما، ومفهوم التحبيس أنه في الهبة والصدقة لا ينفذ بتقديم الواهب والمتصدق على الحوز، وهو كذلك إذا كان الموهوب له حاضراً رشيداً فهو ميراث إلا أن يحوزه لنفسه قبل المانع فإن كان غائباً أو ما في معناه كالمحجور ولو سفيهاً أو عبداً أو كالمساجد والفقراء صح تقديمه، ولو كان للمحجور ولي وقدم الواهب غيره كما في الوثائق المجموعة‏.‏ وقال في المدونة‏:‏ ومن وهب لصغير هبة وقدم من يحوز له إلى أن يبلغ فذلك حوز كان له أب أو وصي أو لم يكن لأن هذا إنما قدم من يحوزها خوف أن يأكلها له الولي اه من المواق عند قوله في الحجر والولي الأب الخ‏.‏ وقال في الشامل‏:‏ وإن قدم الواقف من يحوز له جاز، وفي الهبة والصدقة يجوز للغائب فقط اه‏.‏ والفرق بين الهبة والحبس أن الحبس ليس بتمليك وإنما هو إجراء غلة، وأما الملك فهو للواقف بخلاف الهبة، وإذا قدم الأب ونحوه من يحوز للصغير فليس له هو أن يحوز له بعد ذلك لأنه لما قدم الغير على حيازته صرفه عنه وأسقط حقه منها، فإن عاد إلى حيازته بطل كما في ابن عرفة قال‏:‏ ولو أشهد حين رجوعها له أن يحوزها له ففي صحتها مطلقاً أو إن وجد بمن حازها له سفه أو سوء ولاية‏.‏ قولا مطرف وابن الماجشون مع أصبغ اه‏.‏ ومفهوم قوله‏:‏ محبس قد قدما أنه إذا وكل المحبس عليه من يقبضه له جاز بالأحرى، لأن قبض الوكيل كقبض موكله وسواء كان حاضراً أو غائباً وهل يكفي قبض غيره له بغير توكيل‏؟‏ قولان‏.‏ فقال مطرف‏:‏ يصح، وقال أصبغ ورواه ابن القاسم‏:‏ لا يصح إلا بتوكيل قاله في ضيح، ونحوه في باب الهبة من الشامل، ويفهم من العزو أن الثاني هو الراجح وإن كان ظاهر قول الناظم في الهبة‏:‏

وحوز حاضر لغائب إذا *** كانا شريكين بها قد أنفذا

أنه درج على قول مطرف، لكن من المعلوم أن قول الإمام مقدم على قول غيره، وعليه فإذا وهب على ولديه الرشيدين فحازها أحدهما لنفسه ولأخيه بغير إذن الأخ، ثم مات هذا الأخ فوهب الأب الجميع للحائز الأول وحاز حوزاً ثانياً فإنه لا شيء لأولاد الأخ الذي لم يوكل على الحوز، وكذا لو كان حياً ووهب الأب نصيبه للأول كما مرَّ في قول ‏(‏خ‏)‏ أو وهب لثان وحاز، ومحل القولين إذا كان الموهوب له ممن يعتبر إذنه وتوكيله، وأما من لا يعتبر إذنه كالمحجور ولو عبداً فإنه يصح حوز الرشيد لنفسه ولمن معه من محجور عليه اتفاقاً كما قال‏:‏

والأَخُ لِلصَّغِيرِ قَبْضُهُ وَجَبْ *** مَعَ اشْتِرَاكٍ وبِتَقدِيمٍ مِنْ أبْ

‏(‏والأخ‏)‏ الرشيد مبتدأ ‏(‏للصغير‏)‏ يتعلق بقوله ‏(‏قبضه‏)‏ وقوله ‏(‏وجب‏)‏ خبر عن الثاني والثاني وخبره خبر الأول ‏(‏مع اشتراك‏)‏ في شيء حبس أو وهب عليهما ‏(‏وبتقديم من أب‏)‏ عطف على مع اشتراك ولا مفهوم له بل لو حازه الكبير بغير تقديم لصح كما مر، ولأن الأب لو امتنع من التقديم رأساً لا جبر عليه كما قال ‏(‏خ‏)‏ وخير وإن بلا إذن وأجبر عليه‏.‏ ولذا قال أبو عبد الله المجاصي في نوازله‏:‏ إن التوكيل من الأب ليس بشرط وإن أوهمته عبارة العاصمية ومن تقدمه ولكنه مستحب فقط اه‏.‏ ومفهومه أنه إذا قبض الأخ الرشيد حصته وحاز الأب حصة الصغير على الشيوع بينهما لم يصح كما قال‏:‏

وَالأَبُ لا يقبِضُ للصَّغيرِ مَعْ *** كبيرِهِ وَالْحُبْسُ إرْثٌ إنْ وَقَعْ

‏(‏والأب لا يقبض للصغير‏)‏ ومن في معناه من سفيه وعبد ‏(‏مع كبيره والحبس‏)‏ جميعه ‏(‏ إرث إن وقع‏)‏ ذلك على مذهب ابن القاسم، وبه العمل كما في المتيطية، والمفيد والدر النثير وابن سلمون وغيرهم، ومثل هذا يجري في الهبة كما يأتي في قوله‏:‏ وللأب التقديم للكبير الخ‏.‏

قلت‏:‏ وتأمل هذا مع ما يأتي في البيت بعده من أن الشيوع لا ينافي الإقباض على المشهور من القولين فالجاري عليه أن قبض الأب للصغير مع الكبير صحيح كما يقوله مقابل المعمول به وقد يقال بأنه فيما يأتي فعل مقدوره إذ لا سبيل له إلى حوز الجميع بخلافها هنا‏.‏

إلاّ إذَا ما أمْكَنَ التّلاَفِي *** وصُحِّحَ الحَوْزُ بِوَجْهٍ كافِي

‏(‏إلا إذا ما أمكن التلافي وصحح الحوز‏)‏ من الكبير أو من محجور عليه قبل حصول المانع ‏(‏بوجه كاف‏)‏ من التطوف على الأرض أو إخلاء الدار ونحو ذلك مما مرّ عند قوله‏:‏ والحوز شرط صحة التحبيس الخ وسيأتي قوله‏:‏ ونافذ ما حازه الصغير الخ‏.‏ فحوز الصغير مع الكبير صحيح كما يأتي‏:‏

وإنْ يُقَدِّمْ غَيْرَه جازَ وفي *** جُزْءٍ مُشاعٍ حُكْمُ تَحْبِيسٍ قُفي

‏(‏وإن يقدم‏)‏ الأب ‏(‏غيره‏)‏ أي الكبير ليحوز معه نصيب الصغير ‏(‏جاز‏)‏ كما في المتطية وغيرها ‏(‏وفي‏)‏ تحبيس ‏(‏جزء مشاع‏)‏ مع غير المحبس أو معه ‏(‏حكم تحبيس‏)‏ مبتدأ خبره ‏(‏قفي‏)‏ أي اتبع والمجرور قبله يتعلق به، أي‏:‏ له حكم تحبيس غير المشاع في الجواز ووجوب الحيازة ونحو ذلك، لكن إذا حبس مشاعاً مع غيره كنصف دار يملكه فإن كانت تقبل القسمة قسمت وأجبر الواقف عليها إن أرادها الشريك، وإن لم تقبلها لم يجز التحبيس ابتداء إلا بإذن شريكه فإن حبس دون إذنه أو مع إبايته فقولان‏.‏ البطلان لما على الشريك من الضرر لتعذر البيع وفقد من يصلح معه، والثاني الصحة وعليه فيجبر الواقف على البيع إذا أراده الشريك ويجعل ثمن حصته في مثل وقفه، وهل ندبا وهو قول ابن القاسم، أو جبرا وهو قول عبد الملك، وبه العمل قال ناظمه‏:‏

ووقف جزء شائع لا ينقسم *** من غير إذن من شريكه علم

وحيث لم يرض يباع والثمن *** في مثله يجعل جبراً حيث عن

هذا حكم المشاع مع الغير، وأما المشاع معه ففي المنتخب عن أصبغ قال‏:‏ سمعت ابن القاسم يقول فيمن تصدق عن ابن له صغير بنصف غنمه أو ثلثها أو عبده أو داره أن ذلك جائز وحوز الأب فيه حوز تام اه‏.‏ ونحوه في المعيار عن اللؤلؤي، وسواء كانت له غلة كالرحى والفرن ونحوهما أو كان للسكنى‏.‏ قال في الاستغناء‏:‏ من تصدق بسهم مما لا ينقسم كالفرن والحمام ولا يتجزأ إلا بخراب أصله وكان له غلة فإن قبض المتصدق عليه الغلة في حياة المتصدق مضت صدقته وتمت حيازته اه‏.‏‏.‏ وهذا على أن الشيوع لا ينافي القبض، وتقدم عند قول الناظم‏:‏ ونافذ تحبيس ما قد سكنه الخ‏:‏ إن هذا هو المشهور، لكن الرشيد لا بد أن يتصرف مع المحبس أو الواهب بخلاف المحجور، فإن حوز الأب له كاف وأحرى لو تصرف مع الواهب أيضاً لأن الصغير يحوز لنفسه على المشهور كما قال‏:‏

ونافِذٌ ما حازَهُ الصَّغيرُ *** لِنَفْسِهِ وبالِغٌ مَحْجُورُ

‏(‏ونافذ ما حازه الصغير‏)‏ من الحبس وسائر العطايا ‏(‏لنفسه و‏)‏ أحرى ما حازه من ذلك ‏(‏بالغ محجور‏)‏ عليه لأن القصد خروج ذلك من يد المحبس وذهب إسحاق بن إبراهيم التجيبي إلى عدم نفوذه ونحوه للباجي في وثائقه، ومحل الخلاف إن كان له ولي وإلا جازت حيازته اتفاقاً كما تقدم عن ابن راشد وظاهر قوله‏:‏ ونافذ الخ أنه يكره ابتداء وهو كذلك على ما لابن زرب‏.‏

‏(‏تنبيه‏:‏‏)‏ قال في المتيطية‏:‏

وإذا سكن الأب داراً تصدق بها على صغار بنيه دونهم حتى مات بطلت الصدقة، وإن سكنها وهم معه فظاهر قول مالك إنها تبطل أيضاً‏.‏ وقال ابن حبيب‏:‏ تتم لهم الحيازة لأنه إنما سكن معهم لحضانته لهم اه‏.‏ وعليه فإذا كان المحجور ممن يعقل أمره وأشهد أنه يتولى الحيازة لنفسه فلا يضره سكنى المتصدق معه على ما لابن حبيب وهو ظاهر إطلاق الناظم غيره‏.‏

وبانْسِحابِ نَظَرِ المُحَبِّس *** لِلْمَوْتِ لا يَثْبُتُ حُكْمُ الْحُبُسِ

‏(‏وبانسحاب نظر المحبس‏)‏ واستمراره على الحبس ونحوه ‏(‏للموت‏)‏ أي إلى حصول المانع له من الموت والفلس ومرض الموت ‏(‏لا يثبت حكم الحبس‏)‏ ويبطل جملة لعدم حيازته سواء كان على معين كزيد أو على غيره كالفقراء والمساكين ولا يكون في ثلث ولا غيره إلا أن يقول‏:‏ هو حبس أو هبة صرفه من ماله حيي أو مات فإنه يكون في الثلث إن لم يحزه كما تقدم عن الوثائق المجموعة، وانظر ما يماثله في شرح الشامل عند قوله‏:‏ والوقف من رأس ماله إن وقع في الصحة وإلا فمن الثلث الخ‏.‏ وما ذكره الناظم مستغنى عنه بقوله‏:‏ والحوز شرط صحة التحبيس الخ‏:‏ لأن الشرط يلزم من عدمه العدم فيلزم من عدم الشرط الذي هو الحوز عدم صحة الحبس ونحوه‏.‏

تنبيه‏:‏

إذا قال الرجل لولده‏:‏ أصلح نفسك وتعلم القرآن ولك القرية الفلانية أو قال لزوجته النصرانية‏:‏ أسلمي ولك داري وأشهد بذلك كله، فأسلمت الزوجة وأصلح نفسه الولد وتعلم القرآن فإن ذلك يكون لهما ولا يحتاج إلى حيازة على ما رجحه ابن رشد، لأن ذلك ثمن الإسلام والتعلم، وبه جزم صاحب المعين، وحكى مقابله بقيل بصيغة التمريض راجعه في أواثله، وانظر ‏(‏ح‏)‏ في باب الهبة وفي الباب الثالث من التزاماته‏.‏

وَمَنْ لِسُكْنَى دَارِ تَحْبيسٍ سَبَقْ *** تضيقُ عَمَّنْ دُونَه بِهَا أَحَقْ

‏(‏ومن‏)‏ مبتدأ ‏(‏لسكنى دار تحبيس‏)‏ يتعلق بقوله ‏(‏سبق‏)‏ والجملة صلة ما وجملة ‏(‏ تضيق عمن دونه‏)‏ صفة لدار أو حال وقوله ‏(‏بها‏)‏ يتعلق بقوله ‏(‏أحق‏)‏ وهو خبر لمبتدأ محذوف، والجملة خبر من أي من سبق لدار الحبس بالسكنى بوصف الأحوجية وقد ضاقت عمن دونه فهو أحق بها ولا كراء عليه لغيره، وظاهره وإن صار غنياً عن السكنى بها والغير محتاج إليها وهو كذلك لأنه سكن بوجه جائز فلا يرتفع الحكم بارتفاع سببه الذي هو الأحوجية لأن عودتها لا تؤمن، وظاهره سكن بأمر الحاكم أو بادر إلى ذلك وليس كذلك، بل إنما ذلك إذا سكن باستحقاق وصف الأحوجية كما قررنا‏.‏ وأما إذا بادر بعضهم إلى السكنى فليس له ذلك بابتداره، ولكن ينظر الإمام أحوجهم وأقربهم كما في ضيح عن ابن كنانة، وظاهره أيضاً كانت حبساً على من لا يحاط بهم كالفقراء وطلبة العلم أو على قوم وأعقابهم وليس كذلك، بل إنما ذلك في الحبس على القوم وأعقابهم أو على أولاده وأولاد فلان بناء على إلحاق فلان بغير المعينين فإن عينهم فحق من لم يسكن باق حضر أو غاب فيأخذ واجبه من كرائه، وأما على من لا يحاط بهم فإن من استغنى منهم يخرج لغيره كما في ابن عرفة عن ابن رشد قال‏:‏ ومن استحق مسكناً من حبس هو على الفقراء لفقره أخرج منه أن استغنى اه‏.‏ وبالجملة‏:‏ فالمحبس إن حبس على من لا يحاط بهم فإن كان لوصف خاص كطلب العلم والغزو والتدريس وسكن أحدهم فلا يخرج وإن استغنى لأن الوصف لا زال قائماً فإن زال الوصف المحبس لأجله أخرج كالفقر والمسكنة يزولان وطلب العلم والغزو يتركان، ونحو ذلك فالمدار على زوال الوصف المحبس لأجله وعدم زواله، وبه يسقط اعتراض الشيخ البناني على طفي، ومحل ما تقدم إذا لم يكن هناك شرط من الواقف وإلاّ فيتبع ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وعلى من لا يحاط بهم أو على قوم وأعقابهم أو على كولده ولم يعينهم فضل المتولي أهل الحاجة والعيال في غلة وسكنى ولم يخرج ساكن لغيره إلا لشرط أو سفر انقطاع أو بعيد‏.‏

تنبيه‏:‏

قال في المنتخب‏:‏ إذا استبد الذكور بالاغتلال زماناً ظناً منهم أن لا حق للنساء في الحبس، ثم علم النساء أن لهن حقاً فيه، فإنه لا يرجع النساء على الذكور بنصيبهن من الغلة فيما مضى كمن سكن في الدار المحبسة ثم قدم غيره اه‏.‏ ونحوه في المقدمات قائلاً‏:‏ إذا استغل بعض الحبس عليهم وهم يرون أنهم ينفردون به أو سكنوه فإنه لا يرجع عليه الطارىء بشيء من الغلة ولا بالسكن على رواية ابن القاسم، وقيل‏:‏ يرجع عليهم بالغلة والسكنى وهو القياس اه‏.‏ وفهم من قوله ظناً منهم الخ‏.‏‏.‏‏.‏ وقوله‏:‏ وهم يرون أنهم ينفردون به الخ‏.‏‏.‏‏.‏ أنهم إذا علموا بأن للغير حقاً فيه فإنه يرجع عليهم وفي أحباس المعيار أن من أخفى رسم الحبس ظلماً وكان يتصرف في الغلة وحده فإن غيره يرجع عليه‏.‏

ومَن يَبيعُ ما عَليْهِ حُبِّسا *** يُرَدُّ مُطْلَقاً ومعْ عِلْمٍ أسا

‏(‏ومن يبيع ما‏)‏ أي شيئاً ‏(‏عليه حبسا يرد‏)‏ بيعه ويفسخ ‏(‏مطلقاً‏)‏ فات بهدم أو بناء أو خروج من يد أم لا كما في ‏(‏ح‏)‏ آخر الاستحقاق‏:‏ علم البائع بكونه حبساً أم لا كان بائعه محتاجاً أم لا إلا إذا جعل له البيع في أصل التحبيس كما مرَّ في اتباع شرط المحبس ‏(‏و‏)‏ إذا باعه ‏(‏مع علم‏)‏ بتحبيسه عليه فيكون قد ‏(‏أسا‏)‏ ء وأثم فيعاقب بالأدب والسجن عند ثبوت علمه به إذا لم يكن له في بيعه عذر يعذر به قاله في الوثائق المجموعة، ولعل مراده بالعذر أنه ادعى جهل عدم جواز بيع الحبس أو ادعى أنه باعه لفاقته واضطراره الذي يبيح له أكل الميتة ونحو ذلك‏.‏

وَالخلْفُ في المبتاع هلْ يَعْطِي الكِرا *** واتَّفَقُوا مَعْ عِلْمِهِ قبلَ الشِّرا

‏(‏والخلف في المبتاع‏)‏ الذي لم يعلم بالتحبيس وهو محمول على عدمه عند الجهل استصحاباً للأصل ‏(‏هل يعطي الكرا‏)‏ ء والغلة ويرد ذلك للمحبس عليه بعد أن يرجع بثمنه ويتقاصان أو لا يعطى شيئاً لأن الخراج بالضمان وهو مذهب ابن القاسم، وهو المذهب وبه العمل كما في معاوضات المعيار ونحوه في ‏(‏ح‏)‏ عند قوله‏:‏ لا صداق حرة‏.‏ ونظمه في العمل المطلق وهو الذي يفيده ‏(‏خ‏)‏ في الاستحقاق بقوله‏:‏ والغلة لذي الشبهة أو المجهول للحكم كوارث وموهوب ومشتر لم يعلمه‏.‏ ‏(‏واتفقوا‏)‏ أي جل الفقهاء على رد الغلة والكراء ‏(‏مع علمه‏)‏ بالتحبيس ‏(‏قبل الشرا‏)‏ ء أو بعده وتمادى على استغلاله فإنه يرد غلة ما استغله بعد علمه ويرد مكيلة المثل من ثمرة ونحوها إن علمت أو قيمتها إن جهلت، وقولي‏:‏ جل الفقهاء إشارة إلى فتوى ابن سهل بخلاف ذلك، وأنه لا يرد الغلة وإن علم في المشتري بالتحبيس‏.‏ قال الشارح‏:‏ وفتواه لا تخلو من نظر لما في ذلك من تمكين المبتاع من غلة عقد باطل لا شبهة له فيه‏.‏ قال الشيخ بناني في فصل الاستحقاق‏:‏ وفيه أيضاً سلف جر نفعاً إذا علمه بالتحبيس قبل الشراء دخول على فسخ البيع ورجوع الثمن له بعد غيبة البائع عليه وهو سلف والغلة منفعة في السلف اه‏.‏

قلت‏:‏ ويجاب عن ابن سهل بأنه وإن كان عقداً باطلاً فاسداً فإن الضمان ينتقل فيه بالقبض ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وإنما ينتقل ضمان الفاسد بالقبض ورد ولا غلة تصحبه، وقد علمت أن الخراج بالضمان وسواء كان سبب الفساد سلفاً بمنفعة أو غيره‏.‏ قال الزرقاني‏:‏ ظاهر قوله ولا غلة الخ‏.‏ ولو كان المشتري عالماً بالفساد ووجوب الرد اه‏.‏‏.‏ وقيده التتائي تبعاً للسنهوري بما قبل علمه بوجوب الرد اه‏.‏ واعترضه مصطفى وغيره بمخالفة القيد المذكور لإطلاق المدونة في عدم رد الغلة، وكذا ابن الحاجب وابن عبد السلام والتوضيح وابن عرفة قالوا‏:‏ والإطلاق هو الموافق للخراج بالضمان إذا علمه بوجوب الرد لا يخرجه عن ضمانه‏.‏ قال طفي‏:‏ ولم أر القيد الذي ذكره التتائي لغيره اه‏.‏ ولما ذكر ‏(‏ح‏)‏ في التزاماته أثناء الكلام على الثنيا أنه سمع من والده يحكي عن بعض من عاصره أنه لا يحكم للمشتري بالغلة في البيع الفاسد إلا إذا كان جاهلاً بفساده حال العقد، وأما إن كان عالماً بذلك، وتعمده فلا غلة له قال عقبه ما نصه‏:‏ ولم أقف على ذلك منصوصاً وظاهر إطلاقهم أنه لا فرق بين الجاهل والعالم، بل قال ابن سهل في أحكامه‏:‏ الجاهل والعالم في البيع الفاسد سواء في جميع الوجوه اه‏.‏ والعلم بفساد الثنيا يوجب سلفاً جر نفعاً كما مرّ في فصله، ومع ذلك قالوا‏:‏ الغلة فيه للمشتري وهذا كله يشهد لما لابن سهل ويرجحه، وقد اقتصر ‏(‏ح‏)‏ في فصل الاستحقاق عند قوله‏:‏ لا صدق حرة على ما لابن سهل، وكذا الزرقاني في الاستحقاق أيضاً وعند قوله‏:‏ ولا غلة تصحبه الخ‏.‏

تنبيه‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ ومعنى قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏الخراج بالضمان‏)‏ الخ أن المشتري للشيء الذي اغتله لو هلك في يده كان منه وذهب الثمن الذي نقد فيه فالغلة له بضمانه اه‏.‏

ويَقْتَضِي الثَّمَنَ إن كان تَلفْ *** منْ فائِدِ المبيع حتى يَنْتَصِفْ

‏(‏و‏)‏ إذا رد البيع مع علم المشتري أو مع عدمه فإن المشتري يرجع على البائع بالثمن إن كان ملياً وإن كان عديماً وثبت عدمه وحلف أنه لا مال له فإنه ‏(‏يقتضي الثمن‏)‏ الذي دفعه ‏(‏إن كان تلف‏)‏ عند البائع وليس له غيره ‏(‏من فائد‏)‏ أي غلة ‏(‏المبيع‏)‏ يدفع إليه عاماً بعد عام حتى يستوفي ثمنه وذلك ‏(‏حيث يتصف‏)‏ البائع بالحياة‏.‏

وإنْ يَمُتْ مِنْ قَبْلُ لا شَيءَ لهُ *** وَلَيْسَ يَعْدُو حُبْسٌ مَحَلَّهُ

‏(‏وإن يمت‏)‏ البائع ‏(‏من قبل‏)‏ أي قبل استكمال المشتري ثمنه فإنه ‏(‏لا شيء له‏)‏ من الثمن أو باقيه لأن الحبس قد انتقل لغير البائع ‏(‏وليس يعدو حبس محله‏)‏ الذي انتقل إليه بعد موت البائع فهو كالتعليل أي‏:‏ لا شيء له لأن الحبس لا يعدو محله الذي انتقل إليه‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ ظاهر قوله‏:‏ يرد مطلقاً أنه يرد ولو كان المحبس عليه باعه لخوف الهلاك على نفسه لمجاعة ونحوها، وبه أفتى البرقي وابن المكوي والفقيه الصديني قائلاً‏:‏ وما علمت جواز بيعه لما ذكر لأحد من أهل العلم وينقض إن وقع درج عليه ناظم العمل فقال‏:‏

بيع المحبس على المسكين لم *** يقع مع الحاجة عند من حكم

وأفتى القاضي أبو الحسن علي بن محسود بجواز البيع لخوف الهلاك بالجوع ونحوه، وظاهره كان المحبس عليه معيناً محصوراً أم لا‏.‏ واستشكل فتواه هذه أبو زيد سيدي عبد الرحمن الفاسي قائلاً‏:‏ ولا أعرف مستنداً بهذه الفتوى ولعلها اجتهاد‏.‏ نعم مستندها في الجملة المصالح المرسلة وارتكاب أخف الضررين‏.‏ قال‏:‏ والحاصل أن تلك الفتوى مما تندرج بالمعنى فيما استثنوه من بيع الوقف لتوسيع المسجد ونحوه اه‏.‏ باختصار‏.‏

قلت‏:‏ وتأمل ما قاله الفقيه الصديني وأبو زيد الفاسي مع نقل ابن رحال، جواز البيع عن اللخمي وعبد الحميد ونصه‏:‏ ومن حبس عليه شيء وخيف عليه الموت لمثل مجاعة فإن الحبس يباع وينفق على المحبس عليه قاله اللخمي وعبد الحميد‏.‏ وعلل اللخمي ذلك بأن المحبس لو حضر لكان إحياء النفس عنده أولى اه‏.‏ باختصار‏.‏ ثم قال‏:‏ ولعل فتوى البرقي حيث لا يغلب على الظن الهلاك إن لم يبع اه‏.‏ كلام ابن رحال باختصار‏.‏ وفي المعيار عن العبدوسي أنه يجوز أن يفعل في الحبس ما فيه مصلحة مما يغلب على الظن حتى كاد يقطع به أنه لو كان المحبس حياً لفعله واستحسنه اه‏.‏ وذكر ابن عرفة عن اللخمي فيمن حبست على ابنتها دنانير وشرطت أن لا تنفق عليها إلا إذا نفست قال‏:‏ ذلك نافذ فيما شرطت ولو نزلت شدَّة بالابنة حتى خيف عليها الهلاك لأنفق عليها منها لأنه قد جاء أمر يعلم منه أن المحبسة أرغب فيه من الأول اه‏.‏ فهذا كله يؤيد فتوى ابن محسود ويرجحها ويدل على أنها أولى بالاتباع والعمل والله أعلم‏.‏

الثاني‏:‏ ما تقدم من أن المستحق من يده الحبس لا يرد الغلة عن المذهب للشبهة محله إذا لم يكن المستحق من يده يستغل ذلك من جهة الواقف بإرث أو وصية، فإذا أوصى لشخص بثلثه مثلاً فاستغل ثم ظهر بعد ذلك أن الموصي كان أوصى للمسجد بالثلث أيضاً أو بعرصة وفدان ونحو ذلك، فإن الموصى له يلزمه كراء مناب الحبس من وقت انتفاعه إلى وقت ظهور الوصية للمسجد، وكذا الوارث إذا استغل عقار الميت زماناً ثم قام عليهم ناظر الأحباس بالوصية أو بأن ذلك الفدان حبسه موروثهم ونحو ذلك فإنه يلزمهم رد الغلة قاله في المعيار عن العبدوسي قال‏:‏ وليس هذا بمنزلة من استحق من يده ملك بالحباسة ولم يعلم بها أنه لا يرجع عليه بالغلة على قول ابن القاسم وبه العمل اه‏.‏ قال الشيخ الرهوني‏:‏ ووجهه ظاهر لأنه بمنزلة طرو وارث يحجبه الطارىء‏.‏ قال في المقدمات‏:‏ وأما ما لم يؤد فيه ثمناً ولا كان عليه في ضمان كالوارث يرث ثم يأتي من هو أحق منه فلا اختلاف أنه يرد الغلة اه‏.‏ ولا يعكر عليه ما تقدم عن ‏(‏خ‏)‏ لأن المراد بالوارث في كلامه وارث ذي الشبهة أو المجهول أو المشتري من الغاصب الذي لم يعلم بغصبه كما قرره به شراحه، ويدل له قولهم الخراج بالضمان ولا ضمان على الموصى له ولا على الوارث المذكورين كما تقدم عن ابن يونس‏.‏

وغيْرُ أصْلٍ عَادِمِ النَّفع صُرِفْ *** ثَمَنُهُ في مِثْلِهِ ثُمَّ وُقِفْ

‏(‏و‏)‏ حبس ‏(‏غير أصل‏)‏ كحيوان وثياب من نعته وصفته ‏(‏عادم النفع‏)‏ فيما حبس عليه وينتفع به في غيره كفرس حبس على الجهاد صار بحيث لا ينتفع به فيه ولكن ينتفع به في الطحن ونحوه فإنه يباع و‏(‏صرف ثمنه في مثله ثم وقف‏)‏ أي في فرس آخر يصلح للجهاد إن بلغ ثمنه ذلك، فإن لم يبلغه فإنه يستعان به في مثله ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وبيع ما لا ينتفع به من غير عقار وصرف ثمنه في مثله أو شقصه أي إن وجد وإلاَّ صرف في السبيل وبيع فضل الذكور وما كبر من الإناث وصرف ثمنه في إناث الخ‏.‏‏.‏‏.‏ ومفهوم غير أصل أن الأصول من الدور والأرضين لا يجوز بيعها وهو كذلك على المشهور ‏(‏خ‏)‏‏:‏ لا عقار وإن خرب الخ‏.‏ أي لأنه قد يوجد من يصلحه بإجارته سنين فيعود كما كان، ومقابله لربيعة وإحدى الروايتين عن مالك أنه يجوز بيع ما خرب منه، وبه أفتى الحفار وابن لب وغيرهما وعليه العمل قال ناظمه‏:‏

كذا معاوضة ربع الحبس *** على شروط أسست للمؤتسي

والمعاوضة من قبيل البيع بل قال المكناسي في مجالسه‏:‏ أن الجنان إذا كان لا تفي غلته بخدمته فإنه يباع ويشترى بثمنه مثله قال‏:‏ وبه العمل اه‏.‏ وأصله لابن الفخار ويأتي مثله في التنبيه الثاني عن ابن عرفة وعليه فلا مفهوم للمعاوضة على هذا وإن كان شارح العمل نقل عن ناظمه أن العمل إنما هو بالمعاوضة لا بالبيع، والظاهر أنه حيث لم توجد المعاوضة فإنه يصار للبيع ويشتري بثمنه مثله كما قال المكناسي وغيره‏.‏ وهذا أغبط للحبس وأولى من تركه للضياع والاندثار‏.‏ وشرط المعاوضة في الحبس أو البيع أن يكون خرباً، وأن لا تكون له غلة يصلح بها، وأن لا ترجى عودته إلى حالته بإصلاح أو غيره وأن لا يوجد من يتطوع بإصلاحه قاله في المعيار‏.‏ ومفهوم عادم النفع أن ما فيه نفع للحبس لا يباع بحال وهو كذلك، والمراد النفع التام الذي يحصل من أمثاله، وأما ما قل نفعه فإنه يباع ويشترى بثمنه ما هو تام النفع كما قاله ابن الفخار وغيره‏:‏ ومن عادم النفع فيض ماء الأحباس فإنه يجوز بيعها‏.‏ قال ناظم العمل‏:‏

وفيض ماء حبس يباع *** وما به للحبس انتفاع

قال في شرحه‏:‏ وإذا جاز البيع جاز الاستئجار بالأحرى‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ علم من جواز المعاوضة والبيع على ما به العمل أن الحبس يحاز عليه، فإذا كانت دار مثلاً بيد شخص مدة الحيازة فقام عليه ناظر الأحباس وأثبت بالبينة العادلة أنها حبس، وادعى الآخر أنه عاوضها أو اشتراها أو ادعى ورثته ذلك، فإن القول للحائز بيمينه كما يأتي في قوله‏:‏ واليمين له إن ادعى الشراء منه معمله الخ‏.‏‏.‏‏.‏ بل وكذلك لو لم يكن يدعي الحائز عشر سنين ولا وارثه شيئاً لأنه يحمل على أنها انتقلت إليه بوجه جائز ولا تنزع من يده مع قيام احتمال انتقالها إليه بالوجه المذكور مع شدة حرص النظار في هذه البلدة على حفظ الأحباس وعدم تركها للغير يتصرف فيها، ومجرد الاحتمال مانع من القضاء إجماعاً كما لابن عتاب وغيره‏.‏ وقول العامة‏:‏ الحبس لا يحاز عليه إنما ذلك حيث لم يجز العمل بالمعاوضة فيه والبيع وإلاَّ فهو كغيره ما لم يكن الحائز معلوماً بالجاه والكلمة وإلاَّ فلا يعمل بحيازته كما يوجد من بعض أهل هذه البلدة أيضاً‏.‏ وبالجملة، فيجب التثبت في مثل هذا التثبت التام، وقد عمت البلوى في هذه البلدة بكون الرجل يعاوض أو يستأجر ما خرب من الحبس أو قل نفعه وتمزق رسوم ما عاوض به، ويأخذ رسم المعاوضة ولا يكتب على الحوالة بإزاء ما وقعت فيه المعاوضة أن ذلك المحل انتقل للرجل بالمعاوضة للاستخفاف بحقوق الناس والاتكال على رسم المعاوضة الذي بيد الرجل فيضيع رسم المعاوضة الذي بيده لطول العهد ونحو ذلك، فيقوم ناظر الأحباس عليه أو على ورثته بما في دفتر الأحباس وحوالتها، ويحتج عليه بأن المحل الذي بيده حبس، وأن الحبس لا يجاز عليه فلا يجد الرجل ما يدفعه به فيأخد الناظر المحلين المحل الذي دفع الرجل له لتصرف الحبس فيه المدة الطويلة، والمحل الذي أخذه بالاستحقاق من الرجل، وهذا كثير وقوعه في هذه البلدة، ولا تجدهم يكتبون المعاوضة أو الجزاء والاستئجار بإزاء ما في الحوالة إلا في النزر القليل‏.‏ هذا كله لو كان ما قام به الناظر ثابتاً في الحوالة بعدلين مع ثبوت ملك المحبس والحيازة عنه وادعى الحائز معاوضته أو لم يدع شيئاً على ما مر بيانه، أما إذا كان في الحوالة مجرد زمام فقط كما هو غالبها فإنه لا يقضي به بحال على المعمول به كما قال البرزلي فيما يوجد مكتوباً على ظهر الكتب أنها حبس، أو على فخذ الفرس أنها حبس قال‏:‏ لا يعمل بذلك على ما به العمل إلا إذا ثبت أصل تحبيسه بعدلين معروفين، وثبت أن الأصل كان ملكاً للمحبس إلى أن حبسه وثبتت حيازته عنه، ونظمه في العمل المطلق ولا فرق بين ما في الحوالة من أن المحل الفلاني حبس، وبين ما يكتب من التحبيس على ظهر أوراق الكتاب أو فخذ الفرس، إذ كل منهما لا يزيد على أن هذا المحل حبس فالكل محض زمام بغير شهادة وما في أحباس المعيار عن الشاطبي من أن زمام الأحباس يعمل به إذا لم يوجد ما هو أثبت منه لعله مقابل لما به العمل فلا يلتفت إليه أو يقال ذلك مع الشهرة كما في ‏(‏ح‏)‏ عند قوله‏:‏ بحبست ووقفت الخ‏.‏ وما رأينا أحداً اليوم يقضي بزمام الحوالة والقضاء به يفتقر إلى الإعذار فيه ولا اعذار في مجرد زمام كما مرَّ في فصل الإعذار، وتقدم في شهادة السماع ما يؤيد هذا والله أعلم‏.‏

الثاني‏:‏ الناظر على الوقف يقدم إصلاحه وعمارته إن كان عقاراً ونفقته إن كان حيواناً على المحبس عليهم ولو شرط الواقف عدم التبدئة بذلك لم يعمل بشرطه ابن عرفة‏:‏ الحاصل أن نفقة الحبس من فائدة فإن عجز بيع وعوض من ثمنه ما هو من نوعه فإن عجز صرف ثمنه في مصرفه اه‏.‏ ‏(‏ق‏)‏‏.‏ وكثيراً ما يتفق أن يترك الحبس بلا إصلاح والمحبس عليه يستغله هل يلزمه في ماله إصلاح ما وهى ‏؟‏ وفي ابن سهل‏:‏ إن ترك الوكيل جنات المحجور وكرومه حتى تبورت ويبست فعليه قيمة ما نقص منها لتضييعه إياها اه‏.‏ وناظر الأحباس كالوصي في ذلك كما مرّ عن البرزلي عند قوله‏:‏ وكل ما يشترط المحبس الخ‏.‏‏.‏‏.‏ وحبس الإمام والمؤذن إذا خرب فإنه يجب على الإمام والمؤذن أن يردا من غلته ما يصلح به كما في أحباس المعيار في ثلاثة مواضع‏.‏ منها في أولها ووسطها وآخرها، ولكن نص أبو الحسن في أجوبته على أن دار إمام المسجد تصلح من غلة الحبس إذا امتنع الإمام من أداء الكراء كما يعطي هو وسائر خدمة المسجد من غلة أحباسه مما يصرف عن غلة الحبس في الإصلاح على وزان ما يعطى من الغلة للإمام إجارة على الإمامة اه‏.‏ وهو الصواب انظر الدر النثير‏.‏

ولا تُبَتّ قِسْمَةٌ في حُبُسِ *** وطالِبٌ قِسْمَةَ نَفْعٍ لَمْ يُسي

‏(‏ولا تبت‏)‏ بفتح الباء الموحدة وتشديد التاء الأخيرة مبنياً للمفعول ‏(‏قسمة في حبس‏)‏ أي إذا طلب المحبس عليهم المعينون قسمة الحبس قسمة بت فإنهم لا يجابون إلى ذلك ‏(‏و‏)‏ أما ‏(‏طالب قسمة نفع‏)‏ واستغلال فإنه يجاب لأنه ‏(‏لم يسي‏)‏ ء في طلبه لذلك ويجبر غيره عليه على المعمول به لما في بقائه على الإشاعة من التعطيل والضياع قاله في المتيطية‏.‏ وهذا إذا كان الحبس دوراً أو أرضاً لا شجر فيها، وأما الأشجار فلا تقسم قسمة الاستغلال كما في المقرب لما فيه من قسم ما لم يبد صلاحه، وإنما يقسمون الغلة في أوانها ولو في رؤوس أشجارها بعد بدو صلاحها بشروطها المتقدمة في القسمة عند قوله‏:‏ وقسم غير التمر خرصاً والعنب الخ‏.‏‏.‏‏.‏

فصل في الصدقة والهبة وما يتعلق بهما

وحكمهما لذاتهما الندب‏.‏ وعرف ابن عرفة العطية التي الهبة والصدقة من أنواعها بقوله‏:‏ تمليك متمول بغير عوض إنشاء، فخرج بقوله متمول منفعة كان أو رقبة تمليك الإنكاح كأن يقول‏:‏ ملكتك تزوج ابنتي من زيد أو ممن أحببت، أو تقول المرأة ذلك لوليها، ويخرج به أيضاً تمليك الطلاق للزوجة أو لغيرها إذ الكل ليس بمتمول، وخرج بغير عوض البيع ونحوه من المعاوضات، وخرج بقوله إنشاء الحكم باستحقاق وارث إرثه لأنه لا إنشاء فيه، وإنما هو تقرير لما ثبت وقيل‏:‏ إن هذا خارج بتمليك لأن الإرث لا تمليك فيه من الموروث فلا حاجة لقوله إنشاء ويدخل فيها الهبة والصدقة والحبس والنحلة والعرية وهي هبة الثمرة، والمنحة وهي هبة لبن الشاة، والهدية وهي معروفة، والإسكان وهو هبة منافع الدار مدة من الزمان كنسة، والعمرى وهي تمليك المنفعة مدة عمره، والعارية وهي تمليك منافع الدابة ونحوها بغير عوض، فإن كان بعوض فهو إجارة، والإرفاق وهو إعطاء منافع العقار كما يأتي، والعدة وهي إخبار عن إنشاء المخبر معروفاً في المستقبل والوفاء بها مطلوب غير لازم، والإخدام إعطاء منفعة خادم غلاماً كان أو جارية، والصلة وهي معروفة بين الأقارب، والحباء بالكسر والمد العطاء الذي يعطيه الزوج لولي الزوجة عند العقد أو قبله، فهذه كلها من أنواع العطية وكلها تفتقر لحيازة ما عدا النحلة كما مرّ في قوله‏:‏ ونحلة ليس لها افتقار إلى حيازة الخ‏.‏‏.‏‏.‏ ثم قال ابن عرفة‏:‏ والهبة لا لثواب تمليك ذي منفعة لوجه المعطى بغير عوض، والصدقة كذلك لوجه الله تعالى بدل لوجه المعطى فخرج بقوله‏:‏ ذي منفعة العارية ونحوها ولوجه المعطى خرج به الصدقة لأنها لوجه الله تعالى، وبقوله‏:‏ لا لثواب هبة الثواب‏.‏ وأحكام الهبة والصدقة سواء إلا في وجهين‏.‏ أحدهما أن الهبة تعتصر دون الصدقة كما يأتي، والثاني أن الهبة يجوز للواهب شراؤها وقبولها بهبة بخلاف الصدقة فإنه يكره فيها ذلك‏.‏

صَدَقَةٌ تَجوزُ إلا مَعْ مَرضْ *** مَوْتٍ وبالدَّينِ المُحِيطِ تُعْتَرَضْ

‏(‏صدقة‏)‏ وتقدم تعريفها ‏(‏تجوز‏)‏ أي تصح وتلزم بالقول، أو يقال المراد بالجواز الإذن الشامل للندب إذ هي مندوب إليها كما مر، وظاهره وإن كان المتصدق به مجهولاً عند المتصدق وهو كذلك ولو خالف ظنه بكثير ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وصحت في كل مملوك ينقل وإن كلباً ومجهولاً، ولابن القاسم في العتبية أن الجهل إن خالف الظن فله نقضها، وبه أفتى ابن هلال حسبما في العلمي وهو ضعيف‏.‏ انظر الشامل وشرحه ‏(‏إلا‏)‏ إن تصدق ‏(‏مع‏)‏ تلبسه ب ‏(‏مرض موت‏)‏ فإنها تكون وصية منها ما حمله الثلث إن كانت لغير وارث وإلا توقفت على إجازة الورثة فإن أجازوها فهي ابتداء عطية تفتقر للحوز، ومفهومه أنه إذا لم يمت من ذلك المرض بل صح صحة بينة ثم مات فإن الصدقة تصح وتنفذ إن حيزت كانت على وارث أو غيره، ومراده بمرض الموت المرض المخوف الذي حكم أهل الطب بكثرة الموت به، وقد تقدم بيانه في الخلع‏.‏ وأما غير المخوف كالأمراض المزمنة المتطاولة كالفالج وحمى الربع والجرب والسعال المزمن، فحكمه في ذلك كله كالصحيح، فإذا حيزت عنه في ذلك الوقت فإنها تصح لوارث وغيره بل المخوف فيه تفصيل فقد قال الرجراجي في مناهجه‏:‏ والمرض المخوف المتطاول كالسل إذا طلقها فيه وأعقبه الموت قبل المطاولة فإنها ترثه على مذهب المدونة، ففهم منه أنه إذا لم يعقبه الموت إلا بعد المطاولة فإنها لا ترثه، والهبة كذلك فالخوف إن أعقبه الموت بالقرب بطلب وإلاَّ صحت نقله الملوي‏.‏ وأما غير المخوف فمهما شهدوا بأن مرضه وقت الهبة كان غير مخوف وأنه مات بمرض حدث بعدها فهي صحيحة للوارث وغيره إن حازها هذا الحادث وما تقدم عن الرجراجي نحوه قول ابن لب في فتواه إذا كان الواهب ملتزماً للفراش واتصل حاله كذلك إلى أن توفي بعد ذلك بالأشهر اليسيرة فهبته لورثته باطلة الخ‏.‏ فمفهوم قوله‏:‏ بالأشهر اليسيرة أنه مات بعد طول فالهبة صحيحة بشرطها الحوز والمرض الملزم للفراش وهو المخوف لأنه لا يتصرف معه، ولما قال في المدونة‏:‏ من حبس في مرضه قال أبو الحسن‏:‏ مراده المرض المخوف، وأما غيره فحكمه الصحيح، ونحوه في المتيطية قائلاً‏:‏ إذا مرض الأب مرضاً متطاولاً فهو كالصحيح ويصح للابن قبض الحبس في ذلك الحال اه‏.‏ وبالجملة؛ فظاهر كلام الرجراجي وفتوى ابن لب وغيرهما أن المخوف المتطاول فيه التفصيل بين القرب والبعد، وأما غير المخوف فحكمه حكم الصحيح والمدار فيه على كونه غير مخوف، وأما الشهادة فإنه مات بمرض حدث بعده فلا يحتاج إليها على المذهب، إلا على قول ابن عرفة الذي يقول‏:‏ إن غير المخوف إذا أعقبه الموت يصير مخوفاً، واعتمده ابن رحال في شرحه وهو مردود بأن المرض الخفيف لا يحصل منه الموت إلا بزيادته وبها صار مخوفاً فهو كمرض طرأ‏.‏ وقد تقدم نحو هذا في باب الخلع، وفهم مما مر أنها لا تقبل فيه إلا شهادة الأطباء العارفين بالمخوف ومن غيره، ولا تقبل فيه شهادة غيرهم كما تقدم في قوله‏:‏ ثم العيوب كلها لا تعتبر الخ‏.‏‏.‏‏.‏

تنبيه‏:‏

لو كانت الصدقة على مجهولين محصورين مما يتوقع انقطاعهم كقوله‏:‏ تصدقت على ولد فلان أو فلان وولده، فقيل عن مالك وغيره أنها حبس مؤبد ترجع الأحباس قاله البرزلي، وهي كثيرة الوقوع، وفي المتيطية‏:‏ ولا يصلح أن يشترط المتصدق في صدقته إذا مات المتصدق عليه أن ترجع الصدقة إلى غيره من الأقارب أو الأجانب، فإن وقع ذلك نفذ ومضى كشرط اعتصارها وليس للمتصدق عليه بيعها إلا أن يموت الذي اشترط رجوعها إليه في حياة المتصدق عليه، فيكون له ذلك انتهى، وانظر ما يأتي في الوصية عند قوله‏:‏ وصححت لولد الأولاد الخ‏.‏

‏(‏وبالدين المحيط تعترض‏)‏ وتبطل ولو بحدوثه فيما بين الهبة والحوز لأن حدوثه قبل الحوز مانع منه وكذا الحبس‏.‏ ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وبطلت إن تأخر لدين محيط أي وللغرماء إجازة ذلك ورده، وإن كان الموهوب عبداً أو داراً مثلاً وزادت قيمته على الدين فإنه يباع والفضلة للواهب كما في الشامل وغيره‏.‏ والحاصل أن الدين المستغرق إذا تحقق سبقه على العطية بطلت، وإن تحقق سبق العطية له صحت إن حيزت قبل الدين أو جهل الحال هل تقدمت حيازتها عليه أو تأخرت كانت لصغير أو غيره‏؟‏ وإن جهل السابق هل العطية أو الدين فإن حازها كبير أو أجنبي لصغير صحت وإن حازها له أبوه بطلت‏.‏

ولا رُجُوعَ بَعْدُ للمصدِّق *** وَمِلْكُهَا بغيرِ إرْثٍ اتُّقي

‏(‏ولا رجوع بعد‏)‏ أي بعد تبتيلها لا رجوع فيها ولا اعتصار ولو قبل حيازتها ‏(‏ للمصدق‏)‏ بإدغام التاء في الصاد لأن الصدقة لا تعتصر وهي لازمة بالقول على المشهور ويجبر على الحوز كما يأتي، وكذا الهبة والحبس‏.‏ وعن مالك أنها لا تلزم بالقول وله الرجوع فيها ما لم تقبض وهو مذهب الشافعي، وتقدم في الحبس أنه لا يبطل بتأخير القول ولو سنين، وأحرى بتأخير الحوز حيث لم يحصل مانع من موت أو إحاطة دين، وتقدم في الرهن أنه لا يشترط التحويز فيها بخلاف الرهن‏.‏ ‏(‏وملكها‏)‏ أي الصدقة ‏(‏ بغير إرث‏)‏ من شراء أو قبولها بهبة ونحوها ‏(‏اتقي‏)‏ ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وكره تمليك صدقة بغير ميراث ولا يرقبها أو يأكل غلتها وينفق على أب افتقر منها، وقيل يحرم التملك المذكور لخبر‏:‏ ‏(‏العائد في صدقته كالكلب العائد في قيئه‏)‏ ومفهوم الصدقة أن الهبة لا يكره فيها ذلك كما مرّ أول الباب، ومفهوم بغير إرث أن التمليك بإرث لا كراهة فيه لأنه جبري‏.‏

كَذَاكَ ما وُهِبَ لِلأَيْتَامِ *** والفُقراءِ وأُولِي الأرْحَامِ

‏(‏كذاك‏)‏ لا رجوع في ‏(‏ما وهب للأيتام والفقراء وأولي الأرحام‏)‏ من عمة وخالة وابنة أخ وخال ونحو ذلك لأن الهبة في ذلك كله في معنى الصدقة فيكره تملكها بغير إرث ولا يصح اعتصارها كما يأتي في قوله‏:‏

وفقر موهوب له ما كانا *** المنع لاعتصاره قد بانا

وسيأتي أيضاً في قوله‏:‏ والأم ما حيي أب تعتصر الخ‏.‏

والأبُ حَوْزُهُ لما تُصُدِّقَا *** بِهِ عَلَى مَحْجُورِهِ لَنْ يُتَّقَى

‏(‏والأب‏)‏ لو عبر بالولي ليشمل الوصي والمقدم ‏(‏حوزه لما تصدقا به‏)‏ أو وهبه ‏(‏على محجوره‏)‏ ولو بالغاً سفيهاً ذكراً كان أو أنثى، ولو تزوجت الأنثى والذكر ‏(‏لن يتقى‏)‏ بل يجوز ويصح ما داما سفيهين ولا يحتاج إلى الإشهاد، بأنه يحوز له بل يكفيه الإشهاد بالهبة والصدقة، ويحمل على أنه يحوز له إلا أن تكون دار سكناه فلا بد من معاينة إخلائها كما مر قبل قوله‏:‏ ونافذ تحبيس ما قد سكنه الخ‏.‏‏.‏‏.‏ فإن بلغ المحجور رشيداً أو رشد السفيه ولم يحز حتى مات المتصدق بطلب كما مر في المحل المذكور أيضاً‏.‏

ولِلْمُعَيِّنِينَ بالحَوْزِ تَصِحْ *** وجَبرُه مهْما أباهُ مُتَّضِحْ

‏(‏و‏)‏ الصدقة أو الهبة ‏(‏للمعينين‏)‏ كزيد وعمرو وبكر أو فلان وعقبه ‏(‏بالحوز‏)‏ متعلق بقوله‏:‏ ‏(‏تصح وجبره‏)‏ أي المتصدق وكذا الواهب على الحوز ‏(‏مهما أياه متضح‏)‏ بيِّن للزومها بالقول كما مر ‏(‏خ‏)‏‏:‏ وحيز وإن بلا إذن وأجبر عليه، وقد مر ذلك عند قوله‏:‏ والحوز شرط صحة التحبيس الخ‏.‏‏.‏‏.‏ وظاهره أنه يجبر ولو تصدق بجميع ماله وهو كذلك لقصده القربة ويترك له ما يترك للمفلس، وكذا يجبر لو قال‏:‏ إن فعلت كذا فعبدي فلان أو عبدي ولا عبد له سواه حر، وحنث بخلاف ما لو قال‏:‏ التزمت أن أعتق عبدي فلاناً الآن أو بعد شهر فإنه لا يجبر بالقضاء عليه، وظاهر النظم أيضاً كغيره أنها تصح بالحوز، ولو كان المتصدق أو الواهب غائباً لا يدرى حاله من موت أو فلس لأنه على الحياة والصحة، وهو اختيار ابن حبيب وقول ابن الماجشون كما في الفصل الرابع في تقسيم المدعى لهم من القسم الثاني من الكتاب الأول من التبصرة، وبه أفتى سيدي عمر الفاسي قائلاً‏:‏ يكتفي في رجحانه اختيار ابن حبيب له، ووافقه على ذلك قاضي مكناسة الزيتون قائلاً‏:‏ وهو الجاري على مذهب مالك في الحكم على الغائب، وتبعهما على ذلك غيرهما من المعاصرين مع علمهم باقتصار ابن سلمون على خلافه قاله أبو العباس الملوي رحمه الله‏.‏

وفي سِوى المعَيَّنينَ يُؤْمَرُ *** بالحوْزِ والخلْفُ أَتَى هل يُجْبَرُ

‏(‏و‏)‏ الصدقة والهبة والحبس ‏(‏في سوى‏)‏ أي غير ‏(‏المعينين‏)‏ كالمرضى والفقراء وطلبة العلم ونحو ذلك مما ليس بمعين ‏(‏يؤمر‏)‏ المتصدق والواهب والمحبس ‏(‏بالحوز‏)‏ ودفعها للمتصدق والمحبس عليه والموهوب له ‏(‏والخلف أتى هل يجبر‏)‏ إن أبى من دفعها أو لا يجبر لكون الطالب غير معين وهو المعتمد، ومثله إذا تصدق أو وهب أو حبس بيمين ولو لمعين كقوله‏:‏ إن فعلت كذا فداري صدقة أو حبس على الفقراء أو على زيد، أو قال‏:‏ والله إن فعلت كذا لأتصدقن على الفقراء أو على زيد، أو إن فعلت كذا فعلي نذر، أو قال لزوجته‏:‏ إن تزوجت عليك فلك ألف درهم، أو إن فعلت كذا فعلي عتق رقبة ولم يعينها فإنه لا يجبر على شيء من ذلك على المعتمد، ولو خالف وفعل المحلوف عليه لأنه لم يقصد القربة، وإنما قصد اللجاج والحرج كما لابن رشد، وإليه أشار ‏(‏خ‏)‏ بقوله‏:‏ وإن قال‏:‏ داري صدقة بيمين مطلقاً أو بغيرها ولم يعين لم يقض عليه، وإن قال‏:‏ داري صدقة أو حبس على مسجد معين فهل يجبر نظراً لتعيين المسجد فهو كمن تصدق على رجل بعينه أو لا يجبر نظراً للمصلين‏؟‏ فيه وهم غير معينين وعليه الأكثر، وبه الحكم وعليه العمل كما في ابن ناجي قولان‏.‏

والجَبْرُ مَحتُومٌ بذِي تعَيُّنِ *** لِصِنْفِهِمْ مِنْ جِهَةِ المُعَيَّنِ

‏(‏و‏)‏ لو تصدق بداره على زيد المعين ثم بعده على الفقراء مثلاً ثم مات زيد قبل حوزها وأحرى بعده وطلبها غير المعين ب ‏(‏الجبر‏)‏ على دفعها للفقراء وتحويزها لهم ‏(‏ محتوم‏)‏ مقضى به وإنما قضى به مع كونهم غير معينين لأنه لما وجب القضاء ‏(‏ب‏)‏ سبب كونها أو لا على ‏(‏ذي تعين‏)‏ وهو زيد وجب القضاء أيضاً لهم تبعاً فقوله ‏(‏لصنفهم‏)‏ متعلق بالجبر وضميره لغير المعينين أي‏:‏ فالجبر لصنف غير المعينين محتم واجب بسبب وقوعها أو لا على معين وانتقالها إليهم ‏(‏من جهة‏)‏ ذلك ‏(‏المعين‏)‏ قاله ابن الحاج وغيره‏.‏

ولِلأَبِ التَّقْدِيمُ للكَبِيرِ *** لِقَبْضِ ما يَخْتَصُّ بالصَّغيرِ

‏(‏وللأب‏)‏ أو الوصي والمقدم فيما إذا وهبوا للكبير والصغير ‏(‏التقديم للكبير‏)‏ ولو سفيهاً أو لأجنبي ‏(‏لقبض ما يختص بالصغير‏)‏ فإن لم يقدموا أحداً لحوز ما يجب للصغير وحاز الكبير حصته فقط، أو لم يحز شيئاً حتى مات الواهب بطلت عند ابن القاسم وبه العمل كما مرَّ عند قوله‏:‏

والأب لا يقبض للصغير مع *** كبيره والحبس إرث إن وقع

وقيل‏:‏ يصح نصيب الصغير في الهبة والصدقة خاصة لأن الأب يحوز له بخلاف الحبس لأنه لا ينقسم، وقولي‏:‏ وحاز الكبير حصته فقط احترازاً مما إذا حاز حصته وحصة الصغير بغير تقديم فإنها تصح كما تقدم عن المجاصي عند قوله‏:‏ والأخ للصغير حوزه وجب الخ‏.‏‏.‏‏.‏ وهذا أيضاً إذا لم يحز الصغير حصته مع الكبير والأصح أيضاً لقوله‏:‏ ونافذ ما حازه الصغير الخ‏.‏‏.‏

وحوزُ حاضِرٍ لِغَائِبٍ إذا *** كانا شَرِيكيْنِ بِهَا قَدْ أُنفِذا

‏(‏وحوز حاضر لغائب إذا كانا شريكين بها‏)‏ أي فيها أي في الصدقة والهبة، ومثلهما الحبس بأن تصدق أو حبس عليهما معاً وحازها الحاضر ‏(‏قد أنفذا‏)‏ حوزه وصح لهما، وظاهره وإن لم يوكله بل وإن لم يعلم الغائب بالهبة كما في المقرب عن ابن القاسم، وقال في الشامل‏:‏ وهل يكفي حوز غيره له بغير إذنه كزوج حاز لزوجته هبة أبيها أو لا يكفي إلا بوكالتها‏؟‏ قولان اه‏.‏ وأصله في التوضيح، وعزى الأول لمطرف والثاني لأصبغ، ورواية ابن القاسم عن مالك وهو يقتضي رجحان الثاني لأن الأول وإن كان لمطرف وابن القاسم، لكن روايته عن الإمام تقدم عليه وهو ظاهر حيث أمكنه الحوز بنفسه أو التوكيل عليه، فإن لم يفعل وحاز شريكه الجميع وحصل المانع فإن حصة الحائز تصح دون غيره لتفريطه، وتقدمت الإشارة إليه عند قوله‏:‏ وينفذ التحبيس في جميع ما‏.‏ الخ‏.‏‏.‏‏.‏ وبهذا يفترق حوز الكبير حصة الصغير فإنه يصح الجميع دون الكبير يحوز حصة غيره بغير وكالة فإنه لا يصح لقدرته على التوكيل أو الحوز بنفسه فلم يفعل والله أعلم‏.‏

وما عَلَى البَتِّ لِشَخْصٍ عُيِّنا *** فَهْو له ومَنْ تَعدَّى ضَمِنا

‏(‏وما‏)‏ موصول مبتدأ واقعة على الصدقة ‏(‏على البت لشخص‏)‏ يتعلقان بقوله ‏(‏عينا‏)‏ والمعنى أن ما عزله الشخص من ماله صدقة على مسكين سماه بلسانه أو نواه بقلبه، فإن بتله وأمضاه له بقول أو نية حازماً بذلك غير مترو فيه ‏(‏فهو له‏)‏ أي لذلك المسكين ‏(‏ومن تعدى‏)‏ من متصدق أو نائب عنه وأعطاه لغيره ‏(‏ضمنا‏)‏ ذلك للمبتل له حيث لم تكن قائمة بيد المعطى له ثانياً، وإلا ردت للأول كما في الشامل، وما ذكره الناظم به أفتى ابن رشد في نوازله ونقله ابن سلمون وغيره، والضمان ظاهر فيما إذا أعطاه نائب المتصدق بغير إذن المتصدق، وأما إن أعطاه هو أو نائبه بإذنه فإنما يتمشى على أحد قولي ابن القاسم فيمن وهب لثان وحاز إنها تكون للأول لأن الهبة تلزم بالقول فلم يهب الواهب للثاني إلا ما ملك غيره‏.‏ قالوا‏:‏ وهو القياس‏.‏ أما على قوله الآخر وهو المعتمد من أنها تكون للثاني كما قال ‏(‏خ‏)‏‏:‏ أو وهب لثان وحاز فإنه لا ضمان، وقال في الشامل‏:‏ وقضى بها لثان حازها قبل الأول لا لأول على الأصح، ولا فرق بين أن يفرط الأول في حوزها أم لا مضى له زمان يمكنه في الحوز ولم يحز أم لا‏.‏

وغيْرُ ما يُبَتُّ إذْ يُعَيَّنُ *** رجُوعُهُ لِلْمِلْكِ لَيْسَ يُحْسُنُ

‏(‏وغير ما يبت‏)‏ بالبناء للمفعول ‏(‏إذ‏)‏ ظرف ‏(‏يعين‏)‏ في محل جر بإضافة إذ والتقدير‏:‏ وغير المبتل للمسكين وقت تعينه أي لم يبتل له بقول ولا نية، فالمسكين معين في هذه وفي التي قبلها، وإنما اختلفا في التبتيل وعدمه ففي التبتيل يضمن على ما قال الناظم إن أعطاه للغير، وفي عدمه لا ضمان عليه ولكن ‏(‏رجوعه‏)‏ في عدم التبتيل ‏(‏للملك‏)‏ أي لملك المتصدق ‏(‏ليس يحسن‏)‏ أي يكره وكذا يكره أن يعطيه للغير كراهة تنزيه فيهما‏.‏

وَلْلأَبِ القَبْضُ لما قَدْ وَهَبَا *** ولدَهُ الصَّغيرَ شَرْعاً وجَبَا

‏(‏وللأب‏)‏ يتعلق بوجب آخر البيت ‏(‏القبض‏)‏ مبتدأ ‏(‏لما وقد وهبا‏)‏ يتعلق به ‏(‏ولده‏)‏ مفعول بوهب ‏(‏الصغير‏)‏ نعت له ‏(‏شرعاً‏)‏ منصوب على إسقاط الخافض ‏(‏وجبا‏)‏ خبره، والتقدير‏:‏ والقبض للصدقة التي وهبها لولده الصغير واجب للأب بالشرع، والضمير في قوله‏:‏ ولده حينئذ عائد على متأخر معنى لا لفظاً والمضر هو عوده على متأخر لفظاً ومعنى، وهذا البيت مستغنى عنه بقوله‏:‏ والأب حوزه لما تصدقا‏.‏ الخ‏.‏‏.‏‏.‏ وإنما أعاده ليرتب عليه قوله‏:‏

إلاّ الَّذِي يَهَبُ مِنَ نَقْدَيْهِ *** فَشَرْطُهُ الخروجُ مِنْ يَدَيْهِ

‏(‏إلا الذي يهب‏)‏ الحاجر أباً أو غيره لمحجوره ‏(‏من نقديه‏)‏ الذهب والفضة ومثلهما كل ما لا يعرف بعينه من المثليات من مكيل أو موزون أو معدود ‏(‏فشرطه‏)‏ أي شرط صحته ‏(‏الخروج من يديه‏)‏ ويدفعه‏.‏

إلى أمِينٍ وعن الأَمِينِ *** يُغْنِي اشْتِرَاءُ هَبْه بَعْدِ حِينِ

‏(‏إلى أمين‏)‏ بحوزه بمعاينة البينة ولا يكفي بغير المعاينة ولا حوز الحاجر لمحجوره في شيء من ذلك، ولو ختم عليه بخلاف العروض والأصول فيكفي وهو ما قبل الاستثناء ‏(‏ خ‏)‏‏:‏ إلا ما لا يعرف بعينه ولو ختم‏.‏ قال في المتيطية‏:‏ ومن تصدق على ولده الصغير في صحته بدنانير أو دراهم فليدفعها بعده لمن يحوزها عنه بمعاينة بينة‏.‏ قال ابن زرب‏:‏ فإن لم تعاين البينة الحوز فهي باطلة، وإن جعلها الأب في صرة وختم عليها بمحضر بينة وحازها له فوجدت بعد موته على حالها فلا يجوز ذلك على رواية ابن القاسم عن مالك، وبه الحكم وعليه العمل ثم قال‏:‏ وحكم الطعام وما لا يعرف بعينه حكم العين اه‏.‏ ابن عرفة‏:‏ وفي السماع لو تصدق على ابنه بعبد موصوف في ذمة رجل صح‏.‏ قبضه الأب أو لم يقبضه ولو تصدق عليه بدنانير في ذمة رجل ومات الأب وهي في ذمة الرجل صحت لأنها قد حيزت بكونها على الغريم، وكذا لو تصدق عليه بدنانير ووضعها على يد غيره، ثم أخذها منه لسفره أو بعد موته لأنها قد حيزت كالدار يحوزها عنه السنتين والسنة ثم يسكنها ويموت فيها فصدقته ماضية اه‏.‏

تنبيه‏:‏

قال ابن رشد فيمن وهب لابنته الصغيرة ما في داخل تابوته المقفول عليه وأشهد على ذلك عدولاً دون أن يعاينوا ما فيه ثم مات ويوجد فيه الحلى والثياب‏:‏ أنه لا شيء لها من ذلك إلا أن يكون دفع مفاتيح القفل إلى الشهود عند الإشهاد وعاينوه مقفولاً عليه ويوجد بعد موت الواهب على ذلك فيصح حينئذ للابنة ما وجد داخله اه‏.‏ انظر شرحنا للشامل ففيه زيادة فوائد‏.‏

‏(‏وعن الأمين يغني اشتراء هبه‏)‏ أي الاشتراء وقع ‏(‏بعد حين‏)‏ من هبة العين ونحوها يعني أن محل دفع العين الموهوبة ونحوها للأمين إذا لم يقع بها اشتراء، وأما إذا اشترى الأب ونحوه ملكاً لمحجوره بمال زعم أنه من مال ولده، وأنه لا يعلم للابن مال فإن ذلك صحيح للابن، ولو كان الأب يعتمده لنفسه حتى مات على الصحيح المعمول به لأنه من باب الإقرار بالثمن في الصحة التي لا تلحقه في تهمة ولا توبيخ قاله في الاستغناء‏.‏ وكذا لو اشترى داراً مثلاً وأشهد أنه اشتراها لابنه، ولم يذكر أن ذلك من مال الابن فإن ذلك صحيح أيضاً، ويحمل على أنه اشتراها له بمال وهبه إياه، ولا يحتاج إلى أن يحوزه له لأنه بنفس الشراء كان ملكاً للابن فلم يتقرر للأب عليه ملك حتى يحتاج للحوز والثمن قد حيز بنفس الشراء قاله في المقصد المحمود وغيره‏.‏ وإذا كان هذا في الصغير فأحرى الرشيد كما يدل له التعليل، وهذا إذا اشترى له ملك غيره، وأما إن وهب له ناضاً أو ما لا يعرف بعينه ثم باع منه ملكاً لنفسه، فإنه إذا لم يكن بين البيع والهبة فسحة كالسنة ونحوها فإن ذلك باطل لأنه لما قرب اتهم أنه أراد هبة الأصل وجعل الناض جنة لسقوط الحيازة، وإن كان بين البيع والهبة فسحة وأخرج الناض ونحوه من يده لمن يحوزه سنة ثم باع منه ملكاً فإنه يصح لانتفاء التهمة قاله في واسطة الدرر، ونحوه في المقصد المحمود والورقة السابعة والعشرين من معاوضات المعيار‏.‏

وإن يَكُنْ موضِعَ سُكْنَاهُ يَهَبْ *** فَإنّ الإِخلاء لهُ حُكْمٌ وَجَبْ

‏(‏وإن يكن‏)‏ الأب ونحوه ‏(‏موضع سكناه يهب‏)‏ لمحجوره ولو بالغاً وعبداً ‏(‏فإن الإخلاء له‏)‏ أي لموضع سكناه ‏(‏حكم وجب‏)‏ لا بد منه، وظاهره أنه محمول على أنه كان يسكنها لنفسه حتى يثبت إخلاؤه لها وأنه لم يكن قبل وفاته يسكنها لا يشغلها بأمتعته، وهو كذلك بخلاف غير دار السكنى فإنه محمول على أنه كان يستغلها لصغار بنيه قاله ابن رشد، ونقله البرزلي وغيره، وتقدم قول الناظم في الحبس‏:‏

ومن يحبس دار سكناه فلا *** يصح إلا أن يعاين الخلا

راجع ما تقدم هناك ‏(‏خ‏)‏ عاطفاً على ما لا يصح قبضه لمحجوره ما نصه‏:‏ ودار سكناه إلا أن يسكن أقلها ويكرى له الأكثر وإن سكن النصف بطل فقط، والأكثر بطل الجميع الخ‏.‏ وهذا في الصغار‏.‏ وأما الكبار الرشداء فيصح لهم ما حازوه ولو قل، وهذا في دار السكنى، وأم غيرها من العقار والعروض على محاجيره فيكفيه الإشهاد كما مرَّ ولكن لا بد من إخلائه من شواغله أيضاً فإن ثبت بالبينة أنه لم يخله من شواغله فيكون بمنزلة من رجع إليه قبل عام فيجري على ما تقدم في الحبس، وراجع ما مر عند قوله فيجب النص على الثمار الخ‏.‏‏.‏‏.‏ وظاهر النظم كغيره أنه لا بد من معاينة الإخلاء ولو تصدق بما فيها من الأمتعة والأثاث وهو كذلك خلافاً لابن الطلاع في إجازته ذلك قائلاً لأنه بسكناه فيها حينئذ صار كالقابض لابنه‏.‏ ولما ذكر ابن عرفة في كتاب الهبة ما أجازه ابن الطلاع قال ما نصه‏:‏ ظاهر الروايات بطلان الصدقة لأنه قادر على أن يخرج ما في الدار لينظر فيه‏.‏

تنبيهان‏:‏

الأول‏:‏ تقدم في الحبس أن صرف المحبس الغلة لنفسه يبطلها، وكذلك الهبة والصدقة لأنها من باب واحد كما للفاسي في نوازله، ونقلنا على ذلك أنقالاً في الحبس والهبة من الشامل، ورجح الشيخ الرهوني أن صرف الأب الغلة في مصالح نفسه لا يبطلها، ونقل على ذلك أنقالاً وهي كلها حجة عليه لمن تأملها من ذلك ما نقله عن ابن لب من أنه إذا صرف الغلة لنفسه فالمشهور بطلانها والصحيح صحتها اه‏.‏ فقال‏:‏ أعني الرهوني عقبه، وقد علمت أن مقابل الصحيح فاسد فيكون المشهور فاسداً على قوله‏.‏ وقد تقدم عن ابن فرحون عند قول الناظم أول الكتاب‏:‏ مع كونه الحديث للفقه جمع الخ‏.‏‏.‏‏.‏ ما يرد احتجاجه، وأيضاً فهو حينئذ يحتج على الشخص بمذهب مثله وهو لا يقوله أحد، وإنما مراد ابن لب أن الصحيح من جهة المعنى فهو كقول ابن العطار وغيره لولا اجتماع الشيوخ على بطلانها بصرف الغلة لنفسه لكان القياس أن لا يكون تعدي الأب على الغلة نقضاً للحبس، لكن جرت الفتيا وعمل القضاة ببطلانه ورأوا أنه كسكنى الدار ولبس الثياب التي حبس اه‏.‏ ونقله في المتيطية وغيرها وقال في هبات المعيار‏:‏ إن صرف الواهب الغلة لنفسه فإن ذلك يمنع الحوز الحكمي ويأباه على المشهور المعمول به اه‏.‏ ومنها بحثه في كون الغلة يثبت صرفها لنفسه بإقرار الواهب أو المحبس مع أنه نقله عن أبي الحسن وسلمه في الدر النثير وغيره‏.‏ وبالجملة، فإن أبحاثه لا تسلم وعلى تسليمها فإنها لا تدفع الفقه، وانظر قول ابن العطار وغيره‏:‏ لولا اجتماع الشيوخ الخ‏.‏‏.‏‏.‏ فلم يعتمدوا في ذلك أبحاثهم ولا قياساتهم‏.‏ ومنها قوله‏:‏ وما أدري ما مستند المتيطي ومن تبعه في تشهير البطلان بصرف الغلة لنفسه الخ‏.‏‏.‏‏.‏ فإنه لو لم يكن للمتيطي مستند إلا قول ابن العطار وغيره‏:‏ لولا اجتماع الشيوخ الخ‏.‏‏.‏‏.‏ لكان كافياً في مستنده، فكيف وقد قاله غير واحد ممن لا يحصى وأما ما نقله عن القلشاني من أن ابن عرفة أفتى بصحة الحبس مع صرف المحبس الغلة لنفسه فذلك اختيار منه لمقابل المشهور المعمول به فلا يتابع عليه، وإن ثبت عنه ولا تكون فتواه حجة على المشهور المعمول به لما مر من أن مذهب الشخص ومختاره لا يكون حجة على غيره، والناس كلهم يقولون‏:‏ احكم علينا بالمشهور أو المعمول به، وتقدم أول الكتاب أن الحكم بخلاف ذلك ينقض كما قاله ابن عرفة وغيره، ففتوى ابن عرفة المتقدمة‏:‏ لو حكم حاكم بها لوجب نقض حكمه، وهكذا شأن هذا الشيخ رحمة الله يعتمد في كثير من اعتراضاته على أبحاثه التي تظهر له وكثيرها لا يسلم وعلى تسليمها لا تدفع الفقه لقول ‏(‏ح‏)‏ وغيره المعتمد في كل نازلة على ما هو المنصوص فيها، ولا يعتمد على القياس والتخريج والله أعلم‏.‏ الثاني‏:‏ إذا وهب لمحجوره دوراً متعددة صفقة واحدة فإن حكم ذلك حكم الدار الواحدة، فإن سكن واحدة منها وهي الأقل وأكرى الباقي له صح الجميع، وإن سكن الأكثر بطل الجميع، وإن سكن النصف بطل ما سكن، فإن كان ذلك في عقود متعددة فإنما يبطل من ذلك ما سكن كان الأقل أو الأكثر، وكذلك لو كانت أشياء مختلفة من دور وأجنات وفدادين، فما كان في صفقة واحدة يجري على تفصيله، وما كان في صفقات فإنه يبطل ما عمره فقط كما لأبي الحسن‏.‏ قال ابن القاسم‏:‏ فإن تصديق على رشيد بدور متعددة أو دار واحدة، فإن سكن الأب كثيراً بطل ما سكن فقط وصح ما حيز عنه قلَّ أو كثر، وإن سكن الأب قليلاً صح الجميع‏.‏ أبو الحسن‏:‏ ظاهره أن الرشيد إذا حاز اليسير صح ذلك له بلا خلاف، وظاهر عياض وجود الخلاف فيه‏.‏